أبتـــــــــــــــــــاه
أبتاه .. ما أصعب الفراق ..صرخة بعثتها من وجداني .. من فؤادي الجريح .. لقد مرت أعوام على رحيل الأب الحنون .. ما أسرع مرور الزمن مذكرا بلحظات الأسى و الفراق ..آه على يوم فقدك يا أبتاه .. لقد فقدنا معك كل شيء جميل في هذه الدنيا .. أحسسنا بأنها ضاقت بنا و رفضتنا رغم وسعها .. بل إننا نحتار عند قدوم الأعياد .. أنفرح بها أم نعزي بذكرى رحيلك .. لقد فقدنا الإحساس بالعيد و بكل شيء سعيد .. أبتاه .. يا من لم يمهلني الدهر لألقاك و أبث لك الحنين .. أبتاه .. أصبحنا بعدك يتامى و صرنا كالتائهين نبحث عنك .. عن نورك .. عن وجودك بيننا .. من يحتمل رؤية دارك الحزينة بعدك .. من يستطيع رؤية عمامتك دون أن تكون على رأسك أيها السيد العظيم .. أبتاه لو أتيت إلى قبرك فإني سألثم ترابه الزاكي و أرمي بنفسي عليه لأشكو لك هم فقدك و حالنا من بعدك .. سيدي يا أبا رضا .. لقد أيتمت القرطاس و اليراع .. و حن إليك الكتاب و القرآن .. إن الصلاة تسأل عنك حينما يحين وقتها .. و الأسحار تبحث عن صوتك الشجي يدعو الخالق العظيم و يذكره و يمجده .. ألا ترى دارك الباكية تحن و تئن تحت وطأة الحزن المرير ؟! ألم تسمع أصوات الأطفال الأبرياء و هم يسألون " لمَ تركنا أبونا الحنون ؟ أين ذهب و متى يعود ؟ أ سنجلس في حجره و نقبل راحتيه مرة أخرى ؟ هل سيلاعبنا كما كان يفعل سابقا ؟! " .. أيهون عليك رؤية الدمع يجري على وجنات محبيك و أهلك المفجعين ؟! هل يصدق قلب المحب أنه فقد الوالد الذي يجعله ينبض بالحياة ؟! أيقبل الحرمان من رؤياك إلى الأبد ؟! أسفي عليك و قد وسدت التراب و سكنت اللحود .. هل أن الشوق إلى جدك الحسين هو الذي دفعك لتركنا بهذه السرعة ؟! أم إنك رحلت لتشكو لبارئك هم السنين و آلام السجن و العذاب ؟! أبتاه .. برحيلك فقدنا الأمل و تلاشى حلمنا في الذهاب معك إلى كربلاء .. لتكون مرشدنا إلى قبر سفينة النجاة .. ماذا عسانا أن نقول لكربلاء إذا زرناها ؟! أ نقول لها تركنا ابنك الحبيب بعيدا عنك ؟! أم إننا سنصنع من عمامتك راية و نذرف الدمع عند دخولها لنحكي لها عن مصيبتا فيك ؟! أم تراك قد سبقتنا إلى قبر الحسين الشهيد لتستقبلنا هناك و تكفكف أدمعنا الجارية؟! لقد كنت أحسب اللحظات للقياك بطلعتك البهية و ابتسامتك النورانية التي لم أرها إلا بالصور .. لكنني لم أرفق لذلك و أبى الدهر أن أراك و لو من بعيد .. و حرمني حتى من سماع صوتك الحنون .. ليتني أفديك بعمري لتبقى لهذا الدين و لأمة جدك التي تحتاجك .. أبتاه صبرا أريد أن أمتع ناظري برؤياك .. أبتاه مهلا لأنهل من معين علمك الغزير .. أم أن الرحيل إلى جنات الخلد قد حان موعده و لابد من الفراق ؟! مولاي .. إن الجنان قد فتحت أبوابها لاستقبالك متلهفة في يوم العيد السعيد .. رحلت إلى العلم الملكوتي الذي لا سجن فيه و لا أحزان .. بل رياض مثمرة بعلمك وعملك الصالح و الكلمات التي كتبتها للآل الكرام .. تلقتك أمك الزهراء فرحة مستبشرة بحضورك .. و كأني بها تناديك " ولدي .. حبيبي .. تعال إلي .. اهرب من عالم الوحوش و الظلام .. اهرب من الجور و الآلام .. وعد إلى أمك فاطمة .. التي كنت تسطر عنها آخر صفحات كتبتها قبل المنون " .. ما أكبر فرح البتول بقدوم ابنها البار المظلوم الشهيد .. مولاي .. لقد فررت من هذه الدنيا الفاسدة و تركتنا نجرع كاسات الأسى ..لمَ لمْ تأخذنا معك حين رحلت إلى النعيم ؟! رحلت طاهرا مجاهدا صابرا على الضيم كظيم .. أسفي عليك و قد اشتقتَ إلى رؤية ابنك الحزين .. المرتضى الذي تجرع هموم فراقك في الحياة و بعد الممات .. الذي حُرم حتى من النظرة الأخيرة إليك قبل أن تحمل على الأكتاف المثقلة بالهموم .. و لم يحضر حتى لتشييعك إلى مثواك الأخير .. تعال سيدنا و امسح على قلبه الكسير و بشره بالثواب الجزيل من الله العلي القدير .. ما حال أخيك السيد صادق بعد رحيلك .. لقد تركته منكسر الظهر بفقدك .. و ذكَّرنا مصابه بمصاب الحسين عند مصرع عضيده العباس و هو ينادي " الآن انكسر ظهري " .. رحلت عنه و قد حمل بعد المسئولية الكبرى و الحمل الثقيل .. تعال يا مولاي .. و اجبر كسره بتأييدك و دعائك له و تشجيعك .. فأنت أبوه الروحي الذي يكنُّ لك كل مشاعر الحب و الاحترام .. مشاعر الابن لأبيه و التلميذ لأستاذه .. آهٍ عليه و هو يذكرك بقوله " كان بمنزلة الأب .. بل كان هو الأب " يقولها بعبرة تتكسر في صدره و قد ظهرت الأحزان على قسمات وجهه .. سيدي يا أبا الرضا .. قم و امسح دموع محبيك المنهمرة .. من فقدوا الوالد العظيم .. و أخبرهم بحالك في عالم الخلود .. أخبرهم عن ضيافة غريب طوس .. أخبرهم عن الزهراء و الحسين كيف استقبلاك بالفرح و السرور .. و أبلغهم عظيم ثواب الصبر و خدمة أهل البيت.. و احكي لهم عن مصير موسوعة الفقه و آلاف الكتب التي بذلت في سبيل تأليفها أناملك الكريمة .. وعدهم بنصر من الله على الظالمين .. على يد الإمام المهدي من آل محمد.. و شجعهم على مواصلة درب الجهاد و السعي لمرضاة الله .. و قل لهم أنك معهم في كل عمل حسن و جميل .. لأنك من أرشدهم إلى هذا الصراط القويم .. وداعا يا مولانا العظيم .. وداعا يا أبا الحسينيين .. وداعا يا صاحب القلب الكبير .. سلام من ابنة لك تمنت رؤياك و لو من بعيد ..
...... (رحمه الله عليكـ [ السيد محمد الحسيني الشيرازي] )
الأحد أكتوبر 07, 2007 4:48 am
